أمام عرش الجمال
هربتُ من الاجتماع وهِمْتُ في ذاك الوادي الواسع...
مصغيًا إلى محاورات العصافير... وجلستُ أسامِرُ وَحْدَتي وأناجي نفسي.
نفس ظامئة رأت كل ما يرى سرابًا وكل ما لا يرى شرابًا.
ولما انطَلَقَتْ عاقِلَتي من محبس المادة إلى فضاء الخيال,
التفتُّ فإذا... حورية لم تتخذ من الحلي والحلل سوى غصن من الكرمة تستر
به بعضَ قامَتِها, وإكليلٍ من الشقيق يجمع شعرها الذهبي...
وإذ عَلمَتْ من نظراتي أنني مسلوب الفجأة والحيرة, قالت:
أنا ابنة الأحراج فلا تجزع.
... أنا رمز الطبيعة.
أنا العذراء التي عبدها آباؤك فبنوا لها مذابح وهياكل في بعلبك وأفقا وجبيل...
أما ألوهيتي فهي مستمدة من جمال تراه كيفما حولت عينيك.
جمال هو الطبيعة بأسرها.
جمال كان بدء سعادة الراعي بين الربى,
والقروي بين الحقول,
والعشائر الرحل بين الجبل والساحل.
جمال كان للحكيم مرقاة إلى عرش حقيقة لا تجرح.
قلتُ ودقاتُ قلبي تقول ما لا يعرفه اللسان:
إن الجمال قوة مخيفة رهيبة.
فقالت وعلى شفتيها ابتسامة الأزهار,
وفي نَظَرِها أسرارُ الحياة:
أنتم البشر تخافون كل شيء حتى ذواتكم.
تخافون السماء وهي منبع الأمن.
تخافون الطبيعة وهي مرقد الراحة...
وبعد سكينة مازَجَتْهَا الأَحلامُ اللَّطيفة سألتها:
ما هذا الجمال...?
قالت:
هو ما كان بنفسك جاذب إليه.
هو ما تراه وتودُّ أن تُعطِي لا أن تأخذ.
هو ما شَعَرْتَ, عند ملقاه, بأيد ممدودةٍ لضمّه إلى أعماقك.
هو ما تحسبه الأجسام محنة والأرواح منحة.
هو ألفة بين الحزن والفرح.
هو ما تراه محجوبًا وتعرفه مجهولاً وتسمعه صامتًا.
هو قوة تبتدئ في قدس أقداس ذاتك وتنتهي فيما وراء تخيلاتك...
واقتَرَبَت ابنَةُ الأحراج منِّي,
ووضعت يدها المُعَطَّرة على عيني, ولما رَفَعَتْهَا رأيْتُنِي وحيدًا في ذلك الوادي.
فرجعت ونفسي مردّدة:
إن الجمال هو ما تراه وتود أن تعطي لا أن تأخذ