إن مقدرتنا على حفظ المعلومات الصغيرة والابقاء عليها فاعلة في الدماغ تسمى الذاكرة العاملة أو الذاكرة قصيرة المدى، وهي تعمل على اختزان المعلومات التي نحن بحاجة لحفظها على السريع كما يقولون، مثل رقم هاتف او اشياء بحاجة لشرائها من السوبرماركت او محلات البقالة. فنحن نتمسك بهذه المعلومات لفترة قصيرة من الزمن، ولكنها كافية لإجراء مكالمة هاتفية او لإنهاء مشترياتنا على أكمل وجه، وبعد ذلك ننساها الى الابد.
يختار الناس طوعيا نوع المعلومات التي يختزنونها في الذاكرة قصيرة المدى، وبإستخدام تكنولوجيا الرنين المغناطيسي (MRI)، تمكن الباحثون من رؤية المعلومات التي يبقي عليها الناس في ذاكرتهم اعتمادا على انماط معينة من النشاط تحدث في الدماغ.
علماء نفس في كل من جامعتي أوريجون وكاليفورنيا، أجروا تحليلا لنشاط تدفق الدم لعدد كبير من المتطوعين، بعد تعريضهم لمؤثر بصري كمشاهدة جسم ذي لون محدد وإتجاه محدد لفترة زمنية قصيرة، ومحاولة تحديد الفترة الزمنية التي يتطلبها الدماغ لخزن هذه المعلومات وتذكرها والفترة الزمنية التي تلزم لنسيانها. وبناء عليه تم تعريض المشاركين للمؤثر البصري لمدة ثانية واحدة فقط ثم إخفاؤه لمدة عشر ثوان وإعادة التجربة مرات عدة، ثم سجل الباحثون النشاط الدماغي في أثناء عملية التخزين وإختيار الذاكرة لنوع المعلومات التي سيختزنها في قشرة الدماغ، وهي منطقة إفترض العلماء انها تدعم بقاء المعلومات البصرية في الذاكرة قصيرة المدى.
وقد أدهشت النتائج التي نشرت في المجلة العلمية Psychological Science العلماء، ففي الوقت الذي تذكر فيه الشخص اتجاه المؤثر البصري، كان قد نسي تماما لون المؤثر الذي رآه في أثناء فترة الانقطاع لعشر ثوان عن الرؤية على الرغم من تحديقه في الجسم لمدة تكفي لتذكر الاتجاه واللون معا. أما بالنسبة للاشخاص الذين اختاروا تذكر اللون، فلم يتمكنوا من تذكر الاتجاه، فلقد اختفت جميع المعلومات المتعلقة بإتجاه الجسم من ذاكرتهم نهائيا.
كما قام الباحثون بإستخدام آلة تعلم نظام العد لتحديد مكان حدوث انماط النشاط في قشرة الدماغ المرتبطة بتذكر المؤثرات المختلفة، والتي استخدمت بعد ذلك في توقع ما يتذكره الشخص بدقة اعتمادا على انماط النشاط.
تقاس الزيادة في تدفق الدم، بالفوكسل، وهي وحدات قياس صغيرة تظهر على شبكة ذات خطوط متساوية الابعاد تستخدم في المساحة، وتتشابه القوى الموجهة المختلفة على الشبكة مع الاعصاب التي تستجيب عند رؤية مؤثر بصري وتختزن الذكريات المختارة. وبعد تحليل انماط النشاط التي تحدث في قشرة الشخص الدماغية، تمكن الباحثون من تحديد موقع ونوع المعلومات التي يتم خزنها. كما تمكنوا من تحديد السعة التخزينية للذاكرة والتأكيد على اختيار الناس للمعلومات المهمة التي يريدون تخزينها.
كما أكدت الدراسة على ان اجزاء الدماغ التي تؤدي وظيفة الادراك الحسي، أي المقدرة على فهم المؤثرات البصرية هي نفسها التي تقوم بوظيفة اختزان المعلومات في الذاكرة.