(6)
اشتقت إليه
الصحبة الصالحة عزاء للقلب .. والدراسة الجامعية تبقى أيامها محفورة في القلب
وذكراها مستكنة في الروح
الصورة السابقة هي لمصلى الجامعة الذي شهد هذه الحكاية
- لم أعثر على صورة أكثر وضوحا -
واليوم سأحدثكم عن حكاية صديقة تملك هدوء عجيب, وابتسامه دائمة, وقدرة على امتصاص غضب من أمامها..
لها هيبة في قلبي لحلمها, وثباتها, وابتسامتها
كنت أذخرها للنائبات, وأذكر أني ابتليت في شيء من أمر الدنيا وترددت في حسمه..
فوصلتني رسالة جوال منها كتبت فيها:
(يا هند الدنيا بعناها قبل تبيعنا .. وقلوبنا شاريه الجنة)
أصبحت هذه الرسالة ملهمة لي .. تشعل همتي كلما فترت
وتوقظني من غفلتي كلما غفلت
وبت أرددها كلما واجهت موقفا مثل ذلك الموقف:
( الدنيا بعناها قبل تبيعنا .. وقلوبنا شاريه الجنة)
- دعوني أسمي صديقتي تلك باسم فاتن .. ليسهل سرد الحكاية -
ففي أحد الأيام كنت أقف مع زميلة أخرى في أحد ممرات الجامعة, فأقبلت (فاتن)
مددت يدي لأصافحها كالعادة فصافحتني بثقل شديد, كانت مرهقة ومتعبة ومتوترة ,
بدا وكأنها تحمل حملا ثقييييلا على كاهلها
أعرف فاتن, أعرفها جيدا..
طاقتها في الاحتمال عالية جدا, كيف وصلت لهذه الحالة من التعب,
وما هو الأمر الذي لم تستطع تحمله؟
شددت على يديها ورفعت رأسها, كان أول ما رأيته دموعا حائرة في عينيها .
همست لها: ما رأيك لو نذهب إلى مكان أكثر هدوءً ؟
وافقتني بإيمائه بسيطة
أمسكت بيدها وذهبت بها إلى مصلى الجامعة, جعلتها تجلس مستندة إلى الحائط – لشدة تعبها-
وجلست أنا بالاتجاه المقابل
كانت دموعها كسيل ممتد !!
سألتها: ما بك؟ مالذي حدث؟ هل توفي أحد؟ هل ……هل……..
في كل مرة كانت ترد: لا
لما استفرغت كل الأسئلة.. سألتها:
حسنا يا فاتن .. لم أرك بهذه الحالة قط, ما هو الأمر الذي زلزلك؟
جاء ردها صادما .. قالت:
(اشتقت إليه .. اشتقت إليه يا هند)
ظننتها تتحدث عن خطيبها .. إذ كان أهلها يصرون على تأجيل عقد القران
بدأت أحاول أن أريها الجانب المشرق في تأجيل الزواج.
قالت: هند .. أنا لا أتحدث عن فلان
قلت: اذن عن من تتحدثين؟
فعادت إلى نشيجها الصامت.
شددت على يديها وقلت: من هذا الذي يقتلك شوقك إليه؟
قالت:
الله .. حبيبنا جل في علاه
-
يا هند منذ مدة وأنا لم أنم,
أفكر هل سأرى الله يوم القيامة أم سأحرم من رؤيته بذنوبي؟!
كلما قرأت عن أسماء الله وصفاته وكلما رأيت شواهد رحمته زاد شوقي له,
وزاد خوفي من ذنوبي
والله أني لأتساءل كم سأعيش؟!,
ما عدت أتحمل طول الحياة لشدة شوقي إلى الله
ألا تشتاقين إلى الله يا هند؟!!
ألا تخافين من أن تحرمي رؤيته بذنوبك؟!
كل تلك الأفكار تفتك بي وتريدينني أن لا أبكي؟!
لأول مرة أشعر بعجز تام
شعرت أن كلماتها تقرع قلبي قرعا
لقد ترافقت أحداث تلك القصة مع قراءتي لكتاب مدارج السالكين لابن القيم
وكنت قد توقفت كثيرا عند منزلة الشوق
-
لم أدر بماذا أجيبها
من السهل أن تحتوي من يبكي خوفا من الله, وتردد عليه أجمل آية رجاء:
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
لكن كيف تحتوي من يبكي شوقا ؟!
بدأت أنظر إليها وأنا أحاول أن أعثر على كلاما أجيبها به
لكني تلعثمت وشعرت أن الأحرف تفر مني فرارا
بقيت فترة ثم شعرت أني لا رغبة لي بالكلام
قمت, واستندت إلى الحائط بجوارها
وأطلقت لدموعي العنان وأنا أستحضر أسئلتها:
ألا تشتاقين إلى الله يا هند؟!
ألا تخافين من أن تحرمي رؤيته بذنوبك؟!
كل تلك الأفكار تفتك بي وتريدينني أن لا أبكي؟!
كانت هذه الحكاية .. أما الآية :
(مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت : 5 )
يقول ابن القيم:
(قيل : هذا تعزية للمشتاقين ، وتسلية لهم . أي أنا أعلم أن من كان يرجو لقائي فهو مشتاق إلي .
فقد أجلت له أجلا يكون عن قريب, فإنه آت لا محالة, وكل آت قريب.
وفيه لطيفة أخرى . وهي تعليل المشتاقين برجاء اللقاء .)
-
قال بعضهم:
من اشتاق إلى الله اشتاق إليه كل شيء
-
فكم مرة رددت بشوق يصحبه انكسار:
اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك
اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك
اللهم إني أسألك لذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك
………………………….
ما وافق الحق من قولي فخذوه .. وما جانبه بلا تردد اجتنبوه
كتبته: هند عامر
hindamer@hotmail.com للتعليق على المقال ومشاركة الرابط:
http://hindamer.com/661