إن ما يصيب الإنسان من خير، فمن الله فضلاً، وما يصيبه من شر فمن الله عدلاً، سواء كان هذا الإنسان صالحاً أو طالحاً.وأما أن يُجعل غير الله هو الذي يصيب فلا؛ لكن حتى وإن كان السبب من غيرك؛ فبالحقيقة أنك أنت السبب؛ فمعصيتك هي التي جعلت هذا الإنسان يسلّط عليك فلا نلوم الدهر او الناس حين نحاط بالمصائب فربما تكون نتيجة سوء اعمالنا
[مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ]
ذكر في القرآن الكريم آيات تتحدث عن ظلم الإنسان لنفسه كقوله تعالى:-(: ( فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة : 70
والسؤال هنا : كيف يظلم الإنسان نفسه ؟ ذلك أنّ الظلم نوع من الإساءة ، فكيف إذن يسيء الإنسان إلى نفسه ؟
والجواب : إنّ علّة الظلم تنجمعن أمرين هما : الغفلة والجهل
صحيح أنّ الظلم إساءة ، وأنّ الإنسان لايريد الإساءة لنفسه ، ولكن هذا الأمر يتحقّق إذا كان الإنسان قد شخّص المسألة ،وأنّه فعل ذلك عمداً مع معرفته ، ولو كان الأمر كذلك لما ظلم نفسه أبداً ، غير أنّ الظلم يأتي أحياناً مع تصوّره بأنّه يحسن إلى نفسه ، فإذا به يلحق الظلم بها دون أن يدرك ذلك
. فكم من ظالم لنفسه مسيء إليها وهو يتصوّر أنّه قدّم لنفسه الخير، ولكن وبسبب جهله وعدم إدراكه تنقلب الأمور ، وإذا الخير الذي نواه هو في الحقيقة شر وظلم ، قال تعالى : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِيالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف : 104.
وإن من ألوان ظلم النفس الهبوط بها إلى مستنقعات الذنوب والفواحش ، وتلطيخها بقذر الرذائل والخطايا ، فكيف تهون على المرء نفسه فيلقيها في مواطن سخط الله ؟ فجرعوها مرارة الهبوط والانحدار يقول عز وجل : (( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )) .
فمثلاً يكذب البائع فيزيد في قيمة بضاعته ويخدع المشتري فيكسب من وراء كذبه منفعة مالية يشتري بها ثوباً أو رغيفاً من الخبز، ولكنه في نفس الوقت يكون قد وجه صفعة إلى وجدانه وضميره، وذلك أنهما لا يسوغان الكذب وخداع الآخرين.
إن الكذب يوجه ضربة قوية للضمير ويضعفه، وإذن فهو يظلم نفسه، كذلك الظالم فالذي يظلم الآخرين يظلم نفسه أيضاً، ذلك أن قلبه يقسو وتغزوه الظلمة ويملؤه التصدع. ولذا فإن القرآن ينعتهم دائماً بأنهم "ظالمون لأنفسهم"، فهم إما يظلمون أنفسهم عن جهل وغفلة أو عن طغيان يسحق إرادة العقل ويدمر إنسانية الإنسان.
واعلموا أن من صور ظلم النفس حرمانها أسباب الهداية، وتفويتها فرص العلم النافع، والوعظ الصادق ، وتركها غافلة سادرة فلا تفيق إلا على نزع الموت .
(( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)) (المؤمنون:103:99) .
أولئك الذين أوبقوا أنفسهم وأهلكوها ، فما ضروا سواها ، وما آذوا غيرها