السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يحق للولي أن يمنع زواج ابنته ممن خطبها ورضيت به ورضي هو به في أول الأمر وكان يعرف مابه من عيوب ولكن لاختلافهما في الأمور المادية أصر على إنهاء هذه الخطبة مع أن الزواج كان سيتم بعد فترة قصيرة، ومع علمه أيضا أن ابنته تعلقت بهذا الشخص وتعلق بها وأحبته وأحبها؟ وهل يحق للولي أن يقوم بفسخ هذه الخطبة بالرغم من عدم رضى البنت؟ وهل يجوز له ذلك مع علمه أن المشاعر التي بينهما لا يبتغون بها إلا الحلال؟!
أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم ير للمتحابين مثل النكاح)، علما أني تركت هذا الشخص امتثالا لأمر أبي لكني أشعر بظلم واضطهاد في حقي الذي أعطانيه ربي، ثم أثر ذلك أيضا في رفضي لكل من يتقدم لي، فإما أن يرفضهم أبي لذات الرفض، وإما أن أرفضهم لأني لا أستطيع أن أخدع أحدهم أو أظلمه، لأن القلوب لا يملكها إلا الله سبحانه وتعالى.
ولذلك فإنني كل يوم أدعو الله أن هذا قسمي فيما أملك فلا يؤاخذني بما يملك ولا أملك، وأن يرد علي هذا الخطيب إن كان فيه خيرا لي في ديني ودنياي، فهل يجوز ذلك أم لا؟ علما أني لا أحب أن أعصي الله حتى ولو بالتفكير، ولا أحب أن أعصي الله في أبي، ولإحساسي بالظلم بدأت أتجنب الجلوس معه، وبدأت نفسي تؤلمني مما فعله بي، وقد جعلني في وضع وحالة تجعلني أفكر في هذا الشخص بعد أن كان في الحلال إلى وضع آخر.
فأرشدوني للصواب وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، واعلمي أن قلوبنا مفتوحة وصدورنا مفتوحة، وكم يسعدنا اتصالك مرات ومرات، ونسأله تبارك وتعالى أن يثبتك على الحق وأن يزيدك صلاحًا وهدىً واستقامة، وأن يحقق رغبتك وأن يجمعك بمن أحببتِ بعيدًا عن المعاصي وما يُغضب الله تعالى وأن يلين قلب والدك وأن يعطفه عليك حتى يعينك على أن تعيشي حياتك مع من أحببت في الله ولله.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإنني معجب بشخصيتك غاية الإعجاب، لأن مشكلتك مشكلة عويصة والظلم بيِّن واضح فيها، ولكنك فضلت طاعة الله تبارك وتعالى بإكرام والدك وطاعته رغم أن هذا الأمر ألحق بك عنتًا شديدًا ومشقة عظيمة.
وأما سؤالك هل يجوز للولي أن يمنع ابنته ممن خطبها ورضيت به؟ فلا أفهم هل هي خطبة أم عقد، فإذا كانت خطبة فالخطبة أقل حدة من العقد، ولكن عمومًا الخطبة هي وعد بالزواج ولا يجوز للإنسان أن يُخلف وعده ما دام ليس هناك من داعٍ يؤدي إلى ذلك، لأن خُلف الوعد ثلث النفاق كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث... ومنها: وإذا وعد أخلف)، فكون هذا الرجل قد قبله والدك في أول الأمر بما فيه وما عليه، فما كان ينبغي له فعلاً أن يتراجع، خاصة أنه لم يحدث هناك أمر سيئ يؤدي إلى تغيير موقف والدك، ولكن موقفه هذا قد جانبه الصواب وفيه كثير من التعنت والمشقة وفيه من الظلم لك ولهذا الشاب ما الله به عليم.
وفسخ الخطبة بالرغم من عدم رضاك فيه جناية على حقك الشرعي، لأن هذا لا ينبغي له ولا يجوز، خاصة وأنه قد علم أنك قد تعلقت بهذا الشاب وتعلق بك وصار بينكما الألفة والمودة والمحبة التي تكون بين كل رجل وامرأة تقدم لخطبتها ورغب في زواجها، ولعله قد دار بينكما كلام أو لعل ظروفكما تسمح بأن يكون هناك نوع من الكلام بحضور الأسرة أو غيرها، فالوالد يعرف قطعًا بأن هناك كلام وأن هناك تعلق، ولذلك كان الأولى به ألا يفعل ذلك مراعاة لمشاعرك وحفاظًا على حقك الشرعي خاصة وأنك قد تعلقت بهذا الشاب وتعلق بك.
وكونك أكرمك الله تبارك وتعالى ولم تخالفي أمر والدك وأطعته رغم أن هذا الأمر يسبب لك هذا العنت وتلك المشقة فأبشري بخير من الله قريب وفرج عاجل بإذن الله تعالى، فإن من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، وأنت بحرصك على رضا والدك حتى لا تخالفي أمره فهذا لن يضيع لك عند الله تعالى، خاصة أنك فعلت ذلك ابتغاء مرضاة الله وتعظيمًا لحق الوالد في دين الله تعالى، والله تبارك وتعالى لا يضيع أهله ولا يضيع المعروف عنده أبدًا، فهو يقول جل جلاله: {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ}، والله تبارك وتعالى صاحب الكرم والجود الذي يعطي على العمل القليل الأجر الكثير، والمعروف البسيط يعطي عليه عطاءً لا يقدر عليه أحد سوى الله.
فأبشرك بفرج عظيم وعوض من الله كبير إن شاء الله تعالى، وقد يكون هذا الشخص أو يكون غيره، وسوف تعوضين عوضًا كبيرًا جراء وقوفك مع شرع الله تعالى واتباعك لأوامر والدك وعدم عقوقك له رغم أنه قد ضيع حقك الشرعي الذي كفله الله تبارك وتعالى لك.
وأما كونك الآن ترفضين كل من يتقدم إليك فهذا ليس صوابًا أيضًا، لأن الله تبارك وتعالى جل جلاله هو الذي يعلم السر وأخفى، والله جل جلاله قال: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}، فالخير نحن لا نعلمه، فقد تتعلق الفتاة بشاب وتظن أنه هو الذي سينقذها وسيكون سببًا في سعادتها ويكون الأمر على خلاف ذلك، بل إنه قد ثبت أن هذه العلاقات الحميمة أحيانًا قد تفشل بعد الحياة الزوجية لأن الحياة الزوجية تحتاج إلى ما هو أكثر من الحب، فالحب عامل من عوامل النجاح، وأما الأخلاق والقيم والدين والمبادئ والأصالة والنجابة والأسرة الفاضلة، هذه كلها عوامل ضرورية جدًّا حقيقة في إنجاح الحياة الزوجية وليس بالحب وحده تقوم الحياة، بل إن كثير من الناس قد يتعارفون لأول مرة ولكن عندهم عوامل النجاح فيكونون أفضل ممن تعارفوا قبل الزواج لعشرات السنوات.
فلا ينبغي أن ترفضي أحدًا ممن يتقدم إليك حتى وإن رفضهم والدك، وإنما اجعلي الأمر بينك وبينه إذا تقدم أحد لخطبتك فقطعًا سُيعرض الأمر عليه، إن رفضه وأنت تعلمين رده وإذا لم يرفض أو وافق فأرى أن تتوكلي على الله ما دام قد جاءك من هو صاحب خلق ودين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).
وأما دعائك أن يجعل الله هذا الشاب من نصيبك وأن يرده الله عليك فهذا من حقك؛ لأنك تشعرين بأنك متعلقة به وأنك لا ترين أحدًا أفضل منه وأنه أصبح مسيطرًا على قلبك ومشاعرك، والله قادر على أن يجمع بين المتفارقين بعد أن ظنوا ألا تلاقيا، قد يذهب شرقًا وتذهبين غربًا ولكن يشاء الله تعالى أن يجمعكما بقدرته، فعليك بالدعاء لأنه لا يرد القضاء إلا الدعاء، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فألحي على الله بالدعاء أن يعطف قلب وليك عليه وأن يشرح صدره لقبول هذا الأخ الخاطب وأن يتقدم لك مرة أخرى وأن يقبله والدك وأن تتم حياتكما على خير، وأن تكتمل سعادتكما التي أردتماها في ظل شرع الله تعالى ورضا الوالدين.
فاصبري ولا تتعجلي، ولا ترفضي أحدًا ممن توافرت فيه الشروط الشرعية، لأنه إذا كان من نصيبك فسوف يأتيك، وإذا لم يكن من نصيبك فلن يأتيك قطعًا، ولعل هذا الأخ الذي تقدم لك وتعلقت به ليس هو قدر الله الذي قدره لك، ولذلك تعاملي مع الأمور حسب الظاهر، وأي إنسان يتقدم إليك فيه المواصفات الشرعية ووافق عليه والدك فاستعيني بالله، فإن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء.
وكم من محبة وصلت لدرجة العشق أخرجها الله من القلوب وأصبح مكانها الكراهية والحقد، وكم من حياة كانت ملؤها منغصات ومكدرات شاء الله أن يحولها فأصبحت من أطيب أنواع الحياة، فاتركي الأمر لله، ولا مانع أن تسألي الله تعالى، ولكن عليك أن تقولي: (اللهم إن كان فيه من خير فاجعله لي وإلا فارزقني من هو أفضل منه)، فهذا يكون أفضل، لأنك تسألين الله الخير لأنك لا تدري أين يكون الخير والذي يعلم الخير إنما هو الله جل جلاله، فتفويض الأمر له أفضل من قصر نفسك على شيء قد لا يكون فيه الخير لك وأنت لا تشعرين.
نسأل الله لك التوفيق والسداد والهداية والرشاد وأن يحقق الله أمرك وأن يحقق الله غايتك وأن يكرمك بتفريج كربتك وأن يشرح صدر والدك لقبول ما يسعدك في الدنيا والآخرة.
وبالله التوفيق.