سلمان
كان رجلا فارسيا من أصبهان، أبوه كان دهقان قريته، أي زعيم المزارعين
الفلاحين هناك. ومن شدة خوفه عليه كان يحبسه في البيت. قال واجتهدت في
المجوسية، ثم قال بعثني أبي فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها، قال (فمررت
بكنيسة من كنائس المسيحيين فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون فأردت أن أعرف
ماذا يفعل هؤلاء). فتأخر عن أبيه حتى رجع إلى البيت فشرح لأبيه ماذا رأى
فخاف عليه أن يترك المجوسية ويعتنق النصرانية، قال فقادني فجعل في رجلي
قيدا ثم حبسني في بيته. وبعث القسيس بالكنيسة يخبر أن هؤلاء جاؤا من بلاد
الشام. فقال لهم قبل أن يذهبوا إلى بلاد الشام أريد أن أراهم قال: (فألقيت
الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام)، وذهب عند أسقف الكنيسة.
قال: (فجئته فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك وأخدمك في كنيستك وأتعلم منك فأصلي معك)، فدخل في دينهم
سلمان الفارسي ويقول: (فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا
له شيئا كنزه لنفسه ولم يعطه للمساكين حتى جمع سبع قلال)، حتى جمع سبع قلال
من ذهب وورق (الورق هو الفضة) قال: (وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع)،
وكان ببصرى الشام حتى باعه أحدهم إلى اليهود فقاموا وحملوه معهم إلى وادي
القرى، وبقي معهم حتى دنا الموت من أحد اليهود الذين احتملوه فقال له :
(على من تدلني بعد موتك ؟ بم تأمرني؟ بماذا توصيني؟) قال: (أي بني، والله
ما أعلم أصبح أحد على مثل ما كنا من الناس آمرك أن تأتيه؛ ولكنه قد أظل
زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب. مهجره إلى أرض بين حرّتين
بينهما نخل، به علامات لا تخفى. يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه
خاتم النبوة. فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل.
ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم خذوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقرتي هذه
وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتهموها وحملوني معهم حتى إذا بلغوا وادي القرى
ورموني فباعوني لرجل يهودي، عبدا. فكنت عنده ورأيت النخل، فرجوت أن يكون
البلد الذي وصف لي صاحبي الذي قاله له ما بين لابتيها.
قال فبينما أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة فابتاعني منه،
فاحتملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي لها
فأقمت بها وبعث رسول الله فأقام بمكة ما أقام، ولا أسمع له بذكر مما أنا
فيه من شغل الرق. ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عرق لسيدي أعمل
فيه بعض العمل وسيدي جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا
فلان قاتل الله بني قيلة ! والله أنهم لمجتمعون الآن بقباء على رجل قدم من
مكة اليوم يزعمون أنه نبي. قال
سلمان فلما سمعتها أخذتني الرعدة حتى ظننت اني ساقط على سيدي. فنزلت عن النخلة
فجعلتني أقول لابن عمه ماذا تقول ماذا تقول؟ قال فغضب سيدي فلكمني لكمة على
وجهي ثم قال ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ! فقلت إنما أردت أن أستثبته عما
يقول، قال وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى
رسول الله وهو بقباء. فدخلت عليه فقلت له أنه قد بلغني أنك رجل صالح ومعك
أصحاب لك غرباء ذوي حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من
غيركم. قال فقربته إليه فقال رسول الله لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل.
فقلت في نفسي هذه واحدة. ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول إلى رسول الله إلى
المدينة ثم جئته فقلت له إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك
بها قال فأكل رسول الله منها وأمر أصحابه فأكلوا معه فقلت في نفسي هاتان
ثنتان.
قال ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد وقد سمع جنازة رجل من أصحابه وعليه
شملتان وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه ثم استدبرته أنظر إلى ظهره هل أرى
الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله استدبرته عرف أني أستثبت في
شيء وصف لي فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه
أقبله وأبكي فقال لي رسول الله تحول، فتحولت بين يديه فقصصت عليه حديثي كما
حدثتك يا ابن عباس. فأعجب رسول الله أن يسمع ذلك أصحابه.