هناك
في قلب زهرة تحلم بالإشراق وتطلق روحها للفضاء وتمنح عطرها للصدور حيث الحياة تفوح والأوراق تتهاوى إلى حضن التراب والفراشات أودعت تيجان الزهور أجنة الأثمار التي تفجرت في لحظة الفقدان ونشرت اللذة في نفوس الأغصان فابتسم الربيع للضياء
...!
هناك
على وسادة المحبة والرجاء والأمل والنماء تتفاعل أفئدة النقاء وتسقي بعضها حبا وليد لحظته وابن أبديته حبا يتسرب في جسد الأزمان ويصنع وطنا للروح في الأبدان فتمضي الحياة متسيدةً قلب الأحياء
...!
هناك
على كراسي التفاعلات الأرضية وفي دروب التألق والإبداع تطير الأفكار كأنها عصافير مودة
أو أسراب نحل تحلم بملكة تحقق البناء, تلك الأفكار المحلقة في أكوان الخيال تملك خيط الوصال
...!
هناك
في أرض العراق نهران يجريان ويحلمان باللقاء , حبيبان متهاديان إلى شط البقاء يذوبان في قطرات الذات وينجبان بساتين النخيل والأهوار حبيبان يعلنان أن الحياة لذة تفاعل واندماج
...!
هناك
على قارعة طريق المآسي تتفجر الأشياء, تتناثر الأهواء, تصنع شلال وقيد وتسكب أجسامها على رصيف الملمات لتحقق الوجع الشديد الذي يتحول إلى طاقة كبرى تنجب البشر الإنسان
...!
هناك
في معشر الأنس الحيران تتعثر الخطوات وتنبع الحسرات ويتعالى من الصدور الدخان وتبارك الأحزان مواكب الأحزان وتحطّم الوجدان فتمضي إلى هائل يعانق البهتان في زحمة التلاحي وخطة التماهي بسارق الألوان
فوق نخلة محملة بالهموم وهي ترقب عطاءات الجروح وأبدان البشر التي أطعمتها تتراءى الخطوات كأنها الخطر والدموع كوابل المطر فلا ترى الوجوه بل سوادا يسعى يسمى البشر
...!
هناك
في مدينة الآهات الموشاة بالملل تمضي الأحياء إلى نهايات الوعيد وتشرب كأس الأجل فتتفاعل مع خيوط الضياع وتمضغ أبدانها على مهل فينتحب الصباح وتختلج الشمس ويشحب القمر وتتهاوى النجوم إلى سعير سقر
...!
هناك
على مائدة الوحوش اجتمعت أسود الحيرة والعجب, عيونها بلا نظر وأذرعها فيها مخالب من الغضب وأفواهها تحمل أنياب التناهي للعطب. هل تجلس الأسود على مائدة بلا فريسة من فرائس التعب المشوية على نيران الخوف والمطعمة بعصير الأعماق البدنية لكي تتحقق اللذة وتشرق الحياة من خلف تلال الحرية في غاب الويلات البشرية
...!
هناك
في كوخ الفقر البعيد الذي يسكنه ما يشبه البشر تتحرك الرغبات في حفرة صغيرة في صدر التراب المتعطش لقطرة ماء تسقط إليه من عين تدمع, في هذا الكوخ تتجمع الأوجاع ويطرد الخوف سلطان النوم وتستحم الأجسام بأشعة الشمس التي حسبتها أوراقا خضراء تصنع طعاما لكنها تحترق وتتحول إلى أشباح من الرماد يستطيب نار اللهب ويبحث عن زمن خصيب
...!
هناك
في كهوف الصمت الملثم بالسكون ترتعش الأوراق من هبة الريح تريد أن تفشي سر المكان وتطعم العيون ملح المآسي والجنون وتستدعي طوابير الضيم والخصام إلى شجرة الرؤى التي تتوسد الفضاء وتغط في حلم لذيذ, لكنها استيقظت على ضجيج وقع أقدام العتاة وهم ينهمكون في لذة الدمار والخراب ويتغرغرون بالشرور ويسبحون بالآلام ويشهدون بأن الحجر سيضام
...!
هناك
في أحضان أم تبكي يرقد طفل يتيم يرضع الأحلام والهموم وصورة والده الذي قتلوه عندما كان يرقد في حضنه لا تغيب عنه, ويصرخ مفزوعا , فهل سيقتلون أمه لأنه يرقد في حضنها, الطفل ترعبه لذة الحنان والأمان ويتوهم بأنه السبب الذي أدى إلى قتل أبيه. يصرخ الطفل والأم تجهش بالأنين والحسرات تبحث عن رجل يسقيها شيئا يسمى الحياة. تبحث عن آتٍ جميل يدفن الأحزان في صندوق الجراح. تبحث عن طفلها الذي صار حضنها يحرقه كأنه اللهيب. عن طفل قتلوا أباه لكنهم قتلوه وهو في لذة الحنان الكئيب
...!
هناك
على عتبة الأوهام الشرقية تتعبد الخرافات وأفاعي المشاريع المأساوية وتشتكي الحروب من تجاوز حدود الوحشية ويسقط الزمان جثة تسحقها عربات القضية وتنتحر الشمس في أقصى نشوتها الديمقراطية. ويولد الربيع رغم الجرائم والمظالم والعواصف والأعاصير الطائفية. إنها الحياة تريد وطنا تزرع فيه بذور المحبة والأشواق الآدمية
...!
هناك
على أكتاف الصباح تتنفس دمعة انطلقت من صدر الحسرات المتاخمة لحدود الجمرات المتوقدة في صدر العبرات تحلم أن تكون قطرة من ينابيع الفرح والرجاء
...!
هناك
بين أطياف الرؤى المتدثرة بالأوهام والمتزاحمة على ضفاف الأيام يجلس غراب يشرب الظلماء ويبعث الشرار من عيونه الحمراء فتتحول غابات الخيال إلى هشيم ودخان
...!
هناك
في وادي الحروب يجري نهران يُسقيان بالدماء والدموع ويأكلان طحين الأبدان التي سحقتها آلات الحقد والكراهية فصرّحت أمواجهما بالأحزان. نهران يبكيان ويزفران من ضفتيهما عواصف عويل وأشجان في زمن صار الغدر فيه أجمل عنوان
...!
هناك
على قارعة طريق المآسي والأحزان تجلس عجوز الأزمان تداعب أعوام العمر بالهموم والنكران وترتل آيات العناء وتستحم ببخار النسيان. تنهض من جلستها تتقدم خطوة وتسقط أرضا فتتحطم كأنها زجاجة الإمعان
...!
هناك
فوق رماد المسرات المشبع بالآهات تنام حمامة المحبة والسلام وقد أضاعت بياض لونها وتوشحت بسيئ الألوان فتخفق جناحيها لتغيب في سحابة غبار الأبدان
...!
هناك
من مصابيح الضياع ينبثق شعاع وحيد يبحث عن طريق الحياة ويرسم خريطة الكينونة الفردية التي تقود خلفها طوابير الضائعين وترمي بهم على سكة حديد المتاهات
...!
هناك
في أعماق الذات المكبلة بالخيبات, قد يولد الأحياء عبيدا وينامون عبيدا ويتفاعلون عبيدا تذعن لسوط الأسياد وتعلن أن البشر قد يعيش ضد الحرية , رهينة للقهر والعبودية
...!
هناك
على قبر التأريخ توجد شجرة بلا أثمار, بلا أوراق أو أطيار تتجاهلها الريح ويقطع أوصال أغصانها ساطور البشر الحيران فتنزف رحيق عروقها وتفقد طراوتها وتتسلل إليها أوافي الجذوع الخاوية لترمي بها طحينا في عيون الزمن المحدق بالأجداث
...!
هناك
في أوحال القضية تغوص أقدام الأجيال وتتقيد خطواتها وتبقى تئن من شراسة الطين الرسوبي الذي منعها من الصعود إلى طرق الحياة السريعة وأصابها بالتعفن في قوارير الخمور الثورية فأصبحت شرابا معتقا لعشاق الهمجية
...!
هناك
في بساتين الكروم الحالمة بالخمور عنقود عنب فريد يصرخ في بطن غصن صغير فتسمع صراخه الأطيار لأنه يحلم أن يحلق في أعماق طير يطير, يريد أن يجوب الأفنان ويكره أن يكون خمرا في جوف البشر السكران. عنقود عنب يريد أن يحلق في السماء
...!
هناك
على حافة الوادي السحيق يقف رجل متأهب للضياع والتحول إلى غبار تشربه الصخور وتتطعم بدمه المعطر بالمأساة وتتذوق فيه ملح الخوف فتسكر به وتُنجب الوادي من رحمه الهادئ أنواع الزهور اللذيذة الرائحة الفواحة العطور
...!
هناك
في دروب الوطان وطرقات الحيرة المعبدة بالمجهول ترقد الأوطان في قلوب المهاجرين إلى بحر اللاعودة الذي تتقاذفهم أمواجه وتطاردهم في مياهه ضاريات البحار القرشية وحيتان الانتقام المسلحة بأنياب الافتراس الحضارية
...!
هناك
في عروش الجنائن المعلقة بأهداب الحنين تتراقص فراشات الحب والغرام على صدر عاشقة لا تنام وتسهر بكل طاقاتها الخرافية من أجل أن تلد نجمة كونية تضيء دجى الأشواق وتسبح في أحضان العشاق وتنادي إلى مزيد من الهوى والعناق
...!
هناك
في أوطان أمة بلا مصير تنام على خناجر الوعيد والاستلاب فتقتل الوليد وتذبح القديم وتشرب السراب بالقدح الكبير وتمجد الخراب وتصنع المآسي وتنهل العذاب من بئرها الدفاق بالنفط والتراب
...!
هناك
في أعماق المدى
نقطة ضوء بلا شعاع
وبؤرة صمت فيها صدى
منقول