السؤال
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسّلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمّد وعلى آله و صحبه أجمعين، أمّا بعد:
أنا شاب أدرس بمعهد في تونس، هذا المعهد يمكن أن نقول إنه معهد يهودي، وذلك نظرا لتدهور الأوضاع فيه، فالدراسة هنا ليست بدراسة إسلاميّة، كما نجد الكثير من الإلحاد، خاصة وأنّ أكثر المدرسين علمانيّين ملحدين، انتشرت في هذا المعهد مبادئ الجاهليّة (التبرج.الزنا.الاستهزاء بالدين)فقد أصبحت كلمة (السّلام عليكم ورحمة الله و بركاته) غريبة عند النّاس.
أريد أن أخرج من هذا المعهد، لكن لديّ عائق وهما الوالدان، أبي لا يصلّي، وأمّي تصلّي ولكنّها ليست مستمسكة بدينها، وكلاهما يريدني أن أكمل الدراسة، كما أنّني في هذه الفترة أريد أن أتم حفظ القرآن، وأن أتفرغ للدراسة الفقهيّة وللتمرّن (كونغ فو وهذا فيه مستقبل جيّد) ، ومن الصعب جدا أن تجمع بين الدراسة والقرآن، بل إنّني لا أستطيع أن أصلّي صلواتي في وقتها، فأنا أدرس حوالي 33 ساعة في الأسبوع، كما أنّ أبي لا يريدني أن أحفظ القرآن، ويريدني أن أدرس وأنجح بإمتياز، وأنا في ضيق، فأريد منكم أن تدرسوا هذه الحالة.
هل أقطع الدراسة أم ماذا؟ أفتوني في أمري، فإنّي أريد أن أعجّل بالتوبة قبل المنيّة، ولا أريد أن أقع في الحرج مع والديّ، فأنا إذا قطعت الدراسة سيقولون: "هذا ما علّمتك الصلاة والقرآن، فمن صلّى فسد، الإسلام هو العمل، لن يتقبل الله منك الصلاة، لإنّ العمل عبادة"
ساعدوني وجزاكم الله خيرا.
أخوكم في الله يريد المساعدة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فإن من الكلام النافع الجامع الذي يكون زاداً للمؤمن من أمثالك في هذا الزمان ما رواه الترمذي في سننه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لكل مسلم لا سيما في هذا الزمان المتأخر، فأعظم ما تتمسك به في هذا الزمان هو تقوى الله والعمل بمرضاته، بل إن محافظتك على دينك في وقت الفتن ووقت انتشار الفساد في الإيمان وفي الأخلاق، هي أعظم أجراً من المحافظة على الدين في وقت الخير والصلاح حتى ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن من ورائكم أيَّام الصبر، المتمسك فيهنَّ يومئذ بمثل ما أنتم عليه له كأجر خمسين منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم. قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم. ثلاث مرات أو أربعًا).
فهنيئاً لك هذا الحرص على دينك، ونحمد الله الذي ألهمك الثبات على طاعته وتحصيل مرضاته، فإن هذا من أعظم النعم، بل هو أعظمها وأجلها على الإطلاق، كما قال تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم، وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم}.
وقال تعالى:{قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}.
والمقصود أن سعيك في الحفاظ على دينك هو من أعظم الأعمال، وأجل القربات خاصة إذا كان في ذلك شيء من الحرج أو الضيق الذي يترتب على هذا الحفاظ وهذا السعي.
وأما عن تركك الدراسة للأسباب التي أبديتها فلا ريب أنك أصبت في هذا الرأي، ولا شك أيضاً أنك ستكون بذلك بعيداً عن الأسباب التي تهدد إيمانك، وتهدد عفتك وصلاحك، ولذلك فإن الصواب هو أن تبحث لك عن بديل مناسب تواصل فيه دراستك سواء بالتخصص في الأعمال الرياضية كما أشرت في سؤالك، أو أيّ مجال مناسب يكون معيناً لك على تحصيل الرزق الحلال الشريف، الذي ترغب فيه، والذي تحتاجه كذلك، وبهذا الأسلوب إن شاء الله تتجنب المصادمة مع الأهل عندها يعترضون عليك لتركك الدراسة؛ لأنك ستحاول إيجاد البديل للتعلم ولو عن طريق الانتساب، خاصة إذا كان مجال الدراسة مجالاً أرفع وأحسن حالاً من الأول.
فحاول أن يكون قرارك بترك الدراسة في هذا المكان، موافقاً لإيجاد بديل مناسب في مكان آخر، ولا ريب أن هذا بحسب الإمكان والاستطاعة، فإن عجزت عن إيجاد البديل فإن الله جل وعلا لن يضيع أجرك فاترك ولا تتردد، ولكن أيضاً مع تحصيل ما يمكن تحصيله من الأعمال النافعة التي تعود عليك بالنفع والرزق الطيب الحلال.
ولا بد من الانتباه إلى أن ثباتك على موقفك عندما تترك هذا المكان لا يعني أن تسيء معاملة والديك، بل حاول أن تترفق بهما، وأن تقنعهما برأيك بالأسلوب الحسن الهادئ والرفيق ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، فكونك ثابتاً على قرارك وعازماً على المضي فيه لا يعني أن تواجه والديك بالعنف أو الغلظة والشدة، بل تذكر أمر الله إليك بالإحسان إليهما، والبر بهما، ولكن مع عدم طاعتهما أيضاً في معصية الله ومخالفة أمره، كما قال تعالى: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبها في الدنيا معروفاً }، ومن المعلوم بالاضطرار من دين النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: ( إنما الطاعة في المعروف ) متفق على صحته.
ونوصيك في هذا المقام أن تحرص على إيجاد الصحبة الطيبة الصالحة من الإخوة في الله الذين يعينونك على طاعة ربك، والذين يكونون لك مذكرين إذا نسيت، ومنبهين إذا غفلت، فإن الرفقة الصالحة هي نعم ما يعين العبد على طاعة الله تعالى ويثبته على دينه، خاصة عند انتشار الفساد والفتن في الدين.
وفقك الله لما يحب ويرضى وشرح صدرك وهداك وسددك، وجعل لك من لدنه سلطاناً نصيراً.
والله الموفق.